عام على حرب الإبادة الجماعية في الأرض الفلسطينية المحتلة
مع دخول العدوان الحربي الإسرائيلي عامه الثاني، على الأرض الفلسطينية المحتلة، مستهدفاً أساساً قطاع غزة، تستمر القوة القائمة بالاحتلال “إسرائيل” في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية متعددة المستويات والتي تطال جميع مناحي الحياة العامة، بهدف تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، كجزء من سياسة الهندسة العرقية وتنفيذ مخطط التهجير.
فقد القت “إسرائيل” على قطاع غزة ما يزيد عن (85,000) طن من المتفجرات، ووصل عدد الشهداء المسجلين رسمياً هناك إلى (41,495) شهيداً/ة، منهم (16,859) طفلاً/ة، و(11,429) امرأة، فيما نعتقد ان العدد الحقيقي للشهداء أكبر من ذلك بكثير، خاصة بعد احتساب من هم تحت الأنقاض والمفقودين أو من قتلوا في الأسر، والذين يتجاوز عددهم (10,000) إنسان، وعشرات الالاف من أصحاب الامراض المزمنة الذين قضى أغلبهم نتيجة غياب الرعاية الصحية. هذا بالإضافة إلى استهداف الصحفيين بالقتل حيث استشهد حتى تاريخه أكثر من (173) صحفياً، كما يتم استهداف الطواقم الطبية التي قضى منها حوالي (986) عامل/ة، واستهداف عاملي الإغاثة المحليين والدوليين، وأجهزة انفاذ القانون بهدف نشر الفوضى وضرب السلم الأهلي.
ونتيجة لما يجري من إبادة جماعية، تحول معظم سكان القطاع إلى نازحين داخلياً، يعانون من المجاعة، وشُح المياه وبخاصة في شمال القطاع، هذا بالإضافة إلى انتشار الأمراض المعدية بين أكثر من ثلثي سكان القطاع. ومع قرب دخول فصل الشتاء، ومكوث معظم النازحين في خيام غير مُعدة لمواجهة فصل الشتاء، ويهددها الغرق والتلف نتيجة الأمطار والرياح، فإننا نحذر من كارثة إنسانية محدقة في ظل تدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل بما يشمل الصرف الصحي، وشبكتي المياه والكهرباء، وانعدام غاز الطهي، وشُح الأدوية والمستلزمات الطبية، والمستلزمات الصحية الخاصة بالنساء، ومطاعيم الأطفال الأساسية، ومستلزمات النظافة بشكل عام.
وفي ظل استهداف “إسرائيل” لعمل وكالة الأونروا والسعي لإلغاء صفتها القانونية، فإن الأزمة الإنسانية بكافة أشكالها تتفاقم ويشعر بها جميع سكان القطاع، وبخاصة الأطفال والنساء وكبار السن باعتبارهم فئات ضعيفة، يعتمدون أساساً على ما تقدمه الأونروا من مساعدات إنسانية، علماً بأن هذه الفئات هي الأكثر تضرراً من العدوان، مع أهمية الإشارة إلى أن عدد كبير من الأطفال الذين أصيبوا في هذا العدوان يعانون من فقدان الأطراف، وأن هناك حوالي (26,000) طفل/ة يعيشون بدون والديهم أو بدون أحد منهما.
إن ما يجري الآن في قطاع غزة من العمل على تقسيمه إلى منطقتين منفصلتين من خلال حاجز نيتساريم العسكري، ومحاولات الاقتطاع من مساحته الضيقة أصلاً لإنشاء منطقة عازلة، والآن تجري محاولات لتهجير سكان شمال القطاع نحو جنوبه من خلال استمرار “إسرائيل” بقصفها العنيف جداً لمنطقة الشمال وبخاصة منطقة جباليا، يؤكد على هدف “إسرائيل” هو الاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري والفصل العنصري.
وفي ذات الوقت تواصل “إسرائيل” عدوانها الحربي على الضفة الغربية المحتلة، فقد وصل عدد الشهداء/ات منذ بداية العدوان إلى (742) شهيداً/ة، من بينهم (167) طفلا، قتل (23) منهم على الأقل على أيدي ميليشيا سموترتش وبنغفير، هذا بالإضافة إلى سياسة حصار واستباحة المدن والمخيمات والقرى والبلدات، وما يرافق ذلك من عمليات اعتقال وتدمير للبنى التحتية وللممتلكات العامة والخاصة، وتسليح سوائب المستوطنين ليعيثوا قتلا وحرقا ونهبا وتدميرا ، وتصاعد هدم المنازل والتهجير القسري، حيث تم هدم (2,521) منشأة فلسطينية وتشريد (7,811) فلسطينيا وحوالي (26) تجمعا بدويا ورعويا في السفوح الشرقية وجنوب الضفة الغربية، وتم لهذه الغاية تغيير التشريعات والقوانين لتسهيل عملية الضم، وتم فرض قيود إضافية على حرية الحركة، بإضافة إلى الضغوطات الاقتصادية، وقرصنة المقاصة.
كما تواصل “إسرائيل” بقضم ما تبقى من أراضٍ في الضفة الغربية، من خلال عمليات المصادرة وتوسيع وبناء المستوطنات، وفرض الحصار الاستيطاني المُحكم والخانق، وبخاصة في التجمعات البدوية والرعوية، في سياق سياستها لضم الضفة الغربية بشكل كامل وتحويل المدن والبلدات والقرى إلى معازل سكانية، وتغليف كل هذه الإجراءات بغلاف قانوني من خلال التشريعات والاوامر العسكرية التي تخالف أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وترافق هذا العدوان الحربي عمليات اعتقال يومية، فقد وصل عدد حالات الاعتقال منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى أكثر من (11,000) أسير/ة، وعدد يفوق الـــ(1600) أسير/ة في قطاع غزة، وتقوم “إسرائيل” بممارسة التعذيب الممنهج بحقهم، من خلال الضرب، والعزل، والتجويع، والاغتصاب، والتهديد بالاغتصاب، والتعري القسري، وحرمانهم من العلاج، والكثير من الممارسات التي أدت إلى استشهاد (40) أسيراً، وهو رقم غير دقيق حيث ما زالت “إسرائيل” تُخفي مصير أسرى قطاع غزة وأعدادهم الحقيقية.
كما جرى تكثيف سياسة احتجاز جثامين الشهداء والتنكيل بهم وشبهة قتلهم بعد السيطرة عليهم، حيث تحتجز سلطات الاحتلال (582) جثمانا من بينهم (56) طفلا، والكشف عن قبور جماعية وبعضهم القي بهم وهم مقيدون، كما جرى نبش وإعادة تسليم (516) قبرا على مراحل.
والآن تستغل القوة القائمة بالاحتلال، انشغال العالم بما يحدث من تطورات على الجبهة الشمالية للإيغال أكثر بعدوانها، وبدا هذا واضحاً في الأسبوع الأخير من حيث عدد ونوعية الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية والتي كان منها قيام الاحتلال بقصف جوي لمقهى في مخيم طولكرم أدى إلى استشهاد (20) شخصاً.
إننا نحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الفلسطينيين المحميين بموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ونرى بأن الصمت المستمر للمجتمع الدولي على جرائم دولة الاحتلال يعد ضوءً أخضر لتماديها في سياساتها وممارستها الإبادية والتوسعية بحق الفلسطينيين وتشجيعا لها على مواصلتها. فهذه الجرائم تتطلب تحركا دوليا فاعلا وجادا وعاجلا لإلزام الاحتلال بوقف جريمة الإبادة الجماعية، وجريمة التهجير القسري، وجريمة الفصل العنصري، وجريمة العقاب الجماعي، وجميعها جرائم حرب، واجبة المساءلة لمرتكبيها وانصاف الضحايا.
ومن هنا فإننا:
- ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة من أجل وقف اطلاق النار في قطاع غزة بشكل عاجل، ووقف العدوان الحربي الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة وعلى لبنان الشقيق، ووضع حد لمعاناة السكان وحماية ارواحهم وممتلكاتهم.
- ندعو المجتمع الدولي إلى السعي الجاد لإجبار “إسرائيل” على تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية الصادرة في كانون ثاني، وفي آذار، وفي أيار 2024، والقاضية بفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل لمنع استكمال أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
- ندعو الأمم المتحدة إلى الطلب من الدول بعدم توريد الأسلحة إلى “إسرائيل”، باعتبار هذا الفعل بمثابة اشتراك في جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.
- ندعو المجتمع الدولي إلى الضغط على “إسرائيل” من أجل تفعيل وتسهيل دور ووصول منظمات الإغاثة الإنسانية لتقديم المساعدات الأساسية للنازحين في القطاع وضمان حصولهم على الغذاء والمأوى والرعاية الطبية والاحتياجات الأساسية اللازمة للبقاء.
- ندعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم حرب، والتحرك الجاد والفوري لوقفها، وضمان الحماية الدولية لشعبنا، والتركيز على الأسباب الجذرية التي تسهم في مواصلة انتهاكات الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني.
- ندعو المجتمع الدولي، باعتبار دوله دول أطراف ثالثة، الوفاء بالتزاماتها التي أشار اليها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وقرار الجمعية العامة الأخير، الذي يطلب من إسرائيل بأن تنهي وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في مدة أقصاها (12) شهرا من تاريخه.
- ندعو المجتمع الدولي إلى مقاطعة وفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو تتربح بأي شكل من الأشكال من وجود الاحتلال في الأرض المحتلة.
- ندعو المحكمة الجنائية الدولية إلى وقف المماطلة والبدء فوراً بإصدار مذكرات الاعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في اقتراف جرائم الحرب.
- ندعو المجتمع الدولي إلى إدانة ما تقوم به “إسرائيل” من محاولات لإلغاء عمل وكالة الأونروا، وإجبار “إسرائيل” على إلغاء أي إجراءات قد تؤدي إلى الحاق الضرر بعمل “الأونروا” في الأرض الفلسطينية المحتلة.
- ندعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، بتحمل مسؤولياتها القانونية والاخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي واتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع حد للجرائم ضد الانسانية التي تقوم بها قوات الاحتلال، وضمان حياة المعتقلين الفلسطينيين في معتقلات ومعسكرات الاحتلال الاسرائيلي.
- ندعو الحكومة الفلسطينية إلى الإعلان عن قطاع غزة كمنطقة منكوبة، والطلب من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة تطبيق مواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية الشعب الفلسطيني.