الانتخابات ومشكلة النظام السياسي الفلسطيني
بقلم جبريل محمد
هل يمكن تحديد تعريف واضح لمفهوم النظام السياسي الفلسطيني؟ أي ما هو هذا النظام وأين حدوده ومجاله في ظل الواقع الفلسطيني المعقد بين وطن وشتات وبين تقسيمات داخل الوطن نفسه؟ هل ما تديره السلطة المحدودة الصلاحيات في الضفة والقطاع دون القدس هو النظام السياسي الفلسطيني؟ أم أن المنظمة التي انتزعت الاعتراف العربي والدولي بها ولا زالت هناك قوى فلسطينية تحاذر من الدخول إلى أُطرها؛ هي النظام السياسي العام الذي يحتوي نظامًا آخرًا هو السلطة وما هو خارج هذه السلطة لا هيئات تمثيلية له؟ وهل نسحب ذلك إلى أن الاعتراف الدولي بالدولة المراقب أو الدولة غير العضو هو تأسيس لنظام سياسي جديد؟ كل الأسئلة السابقة تشير إلى أن هناك اختلال واضح في مفهوم النظام السياسي الفلسطيني، الذي لا زال يفتقد إلى مرجعية دستورية موحدة، فليس هناك أي إجماع على الميثاق الوطني المعدل بعد أوسلو، كما أنّ هناك قُوى جديدة لها وزنها وتشكل قطباً أساسياً في الحياة السياسية الفلسطينية، لها ملاحظاتها حتى على الميثاق قبل أن يُعدّل، وبالتالي فإننا لسنا إزاء حدود واضحة لنظام سياسي متكامل له مؤسساته الموحدة وقوانينها ونظمها التي تكون محل توافق يمكن أن يؤدي إلى رسوخ في المرجعيات والعلاقات بينها. أما إذا اعتبرنا ما توافقت عليه النخب من وثائق كوثيقة الأسرى أو وثيقة القاهرة وغيرها من الوثائق التوافقية؛ هي محاولات لترميم نظام سياسي أساسه منظمة التحرير الفلسطينية، فإنّ هذه التوافقات تبقى مؤقتة، وخاضعة لمساومات سياسية ولا تشكل سوى ميثاق شرف في كثير من الأحيان يكون غير ملزم لأطرافه، وبالتالي فإن هناك ضرورة للتفصيل في مرجعيات النظام السياسي الفلسطيني والعلاقة بين مؤسساته المختلفة.
فعلى أي أساس تتم الدعوة للانتخابات في الضفة والقطاع والقدس؟ هل هي لإعادة إحياء نظام سياسي أحدث فيه الانقسام عام 2007 شرخاً واسعاً وعميقاً؟ أم هي لإعادة ترتيب المرجعيات ومن ضمنها السلطة كفرع لا أصل؟
إن ربط الانتخابات للمجلس التشريعي بانتخابات تعقبها للرئاسة والمجلس الوطني وفق المرسوم الصادر، يؤكد على أمرين الأول أنّه لا يوجد حتى الآن نظام مؤسس لانتخابات المجلس الوطني واضح للجميع بحيث يحكم صندوق الاقتراع لا التوافق نتائج تشكيل المجلس الوطني، هذا من ناحية أما من الناحية الأخرى فإن الإشكالية لا زالت قائمة في انتخابات الرئاسة، فالمرسوم يؤكد على انتخابات لرئيس دولة فلسطين وليس للسلطة الفلسطينية، فيما لم يحدد المرسوم أنّ انتخابات رئيس الدولة هي لرئاسة السلطة أم رئاسة المنظمة أم ماذا، فانتخاب رئيس الدولة يقتضي أن يكون وفقاً لدستور الدولة، والذي لا يزال غير مصدر أو حتى لم يتم النقاش حوله، فيما نظام منظمة التحرير الفلسطينية لا يحدد انتخاب رئيسها من الشعب بل من المجلس الوطني، أو ما يخوله المجلس لهيئات أخرى كالمجلس المركزي، فهل نحن إزاء فصل بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة ورئاسة الدولة؟ أم نحن إزاء دمج بينها بحكم ترشح شخص واحد لها؟ هذا ما لم توضحه المراسيم ولا القوانين ولا التوافقات، وبالتالي كان يجب منذ البداية تحديد الفواصل بين هذه المؤسسات والمجالس، قبل الشروع في التحضير للعملية الانتخابية ميدانيًا.
في هذه الورقة سنحاول قراءة واقع الانتخابات في ظل مشكلة النظام السياسي الفلسطيني، لا من مبدأ مقاطعة هذه الانتخابات أو المشاركة فيها، وإنما من حيث مدى توافق النظام السياسي مع هذه الانتخابات من جهة، وقدرة هذه الانتخابات على جسر فجوة الانقسام السياسي والجغرافي من جهة أخرى، إضافة إلى تحليل المزاج الجماهيري تجاهها، والسيناريوهات المحتملة لذلك مع ما يمكن استخلاصه من توصيات وتوجهات.
أولاً هل يمكن أن تحصل الانتخابات؟
حتى الآن ورغم صدور المراسيم والانتهاء من التسجيل، لا زالت هناك شكوك في بعض الأوساط حول انعقاد الانتخابات، يعزز هذه الشكوك تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، حول ضرورة إعلان المشاركين في الانتخابات بالالتزامات الموقعة في أوسلو، والتي لا يمكن اليوم حتى لقطاع كبير في فتح أن يتجرع مثل هذا الشرط المفروض من إدارة أمريكية جديدة راهن كثيرون عليها في الانقلاب على ما فرضه ترامب من أمر واقع، هذا عدا عن تدخلات إقليمية أخرى عربية وغير عربية ومن جوانب مختلفة تحاول إخراج العملية الانتخابية برمتها وفق التوازنات الإقليمية القائمة، هنا تلعب الأردن ومصر دورًا، كما تلعب تركيا وقطر دورًا آخرًا، فيما تحاول الإمارات والسعودية التدخل من خلال فرض حصان أسود لهما في الميدان الانتخابي.
عدا عن الظروف الإقليمية وتدخلاتها في الحالة الانتخابية الفلسطينية، فإن مسألة خلافة الرئيس عباس تلقي بظلالها على المشهد على شكل نزاعات وتنافسات بين مراكز القوى في فتح نفسها، والتي تهدد بشق فتح موضوعيًا إن لم يكن من خلال عوامل ذاتية لطموحات الأفراد، عنوان هذه المعضلة هي ترشح القائد الأسير مروان البرغوثي للرئاسة، والتهديد بوجود أكثر من قائمة لفتح، وهو ما يستشف من تصريحات ناصر القدوة حول إمكانية ترؤّس قائمة فتحاوية تختلف عن القائمة الرسمية وتحظى بدعم البرغوثي. وهو ما سيدفع الأطر الرسمية الفتحاوية والمتنفذة في السلطة إلى تعطيل هذا المسار الذي يمكن أن يشكّل انقلابًا عليها.
أيضًا لا تخلو ساحة حماس من نفس الإشكاليات بين الجناح السياسي الذي يستعد لدخول الانتخابات، وبين أجنحة تنظيمية وعسكرية تحاول الحد من هذا التوجه، سواء بتعطيل كل الاتفاق أو بخلق وسائل أخرى تعفي الحركة من الظهور الواضح والمباشر في الميدان الانتخابي، خاصة وأنها من خلال تجربتها السابقة قد ذاقت مرارة التعطيل على دور الأغلبية من جهة، أو تعطيل عمل الأعضاء من خلال الاعتقال المتكرر من قبل سلطات الاحتلال، كما أنّ هناك عامل آخر وهو الجدل الداخلي على المستوى الجغرافي بين أقطاب الحركة.
هنا تظهر كل الظروف كظروف مجافية لإجراء الانتخابات، إلا إذا كانت هذه الانتخابات تعبر عن إعادة تدوير عملية الانقسام من خلال الاقتسام.
لو جرت الانتخابات حقاً:
بالاطلاع على عملية التسجيل وبعد أن تم إغلاقها، نجد أنّ هناك مانسبته 93.5% من أصحاب حق الاقتراع قد سجلوا للانتخابات، وهي نسبة تقارب على إجماع شعبي عام على الاستعداد للمشاركة السياسية، من خلال الانتخابات سواء بالترشح أو التصويت أو حتى المقاطعة، فالتسجيل ليس شرطًا ملزمًا بالتصويت، هذا الإجماع لم يكن في الانتخابات السابقة سواء عام 1996 أو عام 2006، وهذا يدل على تعطش جماهيري للمشاركة أو محاولة تجريب الانتخابات ضمن مفهوم تجديد الشرعيات للخروج من حالة الانقسام، هذا المزاج الجماهيري يجب أن يؤخذ بالحسبان رغم أن ما يُعرَف عن المزاج الجماهيري أنّه حالة طارئة مؤقتة لا ترقى إلى الموقف المحسوم.
تعكس نسبة التسجيل العالية إلى استعداد كل القطاعات المجتمعية للمشاركة، ونخص هنا الشباب الذين يشكّلون النسبة الأكبر من المجتمع (70%) تقريبًا، ويمكن القول إنّ إقبالهم على التسجيل هو الذي رفع من نسبة المسجلين إلى هذه الدرجة، هنا لا يمكن الانتقاص من أهمية دفع القوى السياسية لمناصريها للتسجيل، لكن هناك ميل واضح من غير المحزبين للمشاركة، اقتناعًا منهم إما بالتجريب من جهة أو عدم تضييع الفرصة بالتغيير كما عبر كثيرون، وبالتالي لا يمكن حساب غير المسجلين كلهم (5.5%) هم ممن اتخذوا قرارًا بالمقاطعة بناءً على موقف حاسم ومسبق، كما لا يمكن احتساب أنّ النسبة العالية من المسجلين سيعكسون نفس النسبة في صناديق الاقتراع، فقد أثبتت الانتخابات السابقة أنّ هناك أكثر من 20% من المسجلين لا ينتخبون، وبالتالي لا يمكن التعويل تمامًا على التطابق بين نسبة المسجلين ونسبة من سيصلون إلى صندوق الاقتراع، حتى لو وضعوا ورقة بيضاء.
غير أنه في حالة حشد جميع القوى المشاركة في الانتخابات سترتفع نسبة المصوّتين، وهذا ميل واضح ناتج عن التنافس بين القطبين الرئيسين ومحاولات القوى الأخرى إثبات الوجود والوصول إلى التمثيل أو نسبة تمثيل محترمة.
جرت في النهر مياه كثيرة
ليست الفترة بين دورتين انتخابيتين هنا منتظمة كما تعودنا في الواقع الفلسطيني، فالفترة بين انتخابات عام 1996 وانتخابات عام 2006 كانت عقدًا كاملا تحولت فيه الموازين من كفة إلى كفة، واليوم وبعد عقد ونصف من انتخابات عام 2006، نستطيع القول إنّه جرت في النهر مياه كثيرة في السياسة والاقتصاد، وفي المتغيرات العالمية والإقليمية في مستوى رضى الناس عن قطبي السلطة في الضفة وغزة، وفي مستويات الفقر والبطالة، وفي أزمات السلطتين المالية، وفي السياسات الخاطئة للتعامل مع قضايا الناس اليومية، وفي انتشار وتعميم الفساد وعدم فاعلية الأطر المكافحة له، وفي توليد أشكال جديدة من الحراكات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهل نتوقع نتائج أخرى مختلفة عن نتائج عام 2006، وتشكل تحولًا جديدًا في المزاج الشعبي الفلسطيني، أم أنّ النتيجة لن تتأثر كثيرًا؟
ما يظهر في الشارع وبعد صدور المرسوم أنّ هناك شخوص وقطاعات شعبية بدأت تحضر نفسها لخوض الانتخابات عبر الترشح لها، منهم قطاعات شابة ومنهم ناشطون شباب، ومتوسطو الأعمار يرون أنّها فرصة للتغيير لن تحين مرة أخرى ربما إلا بعد عقد أو أكثر كما جرت العادة الفلسطينية، وبالتالي ربما تعكس تغيرات الواقع نفسها على النتائج، وهو تقدير لا يصل إلى حد الانقلاب على الموازين السابقة، ولكن هناك فرصة لتشكيل قوة مانعة من التجاذب والاستقطاب السياسي الثنائي، وعلى أقل تقدير قوة إن لم تمنع هذا الاستقطاب بتشكيل رأس مثلث جديد، يمكنها أن تكون مؤثرة، وهذا يعتمد على مدى انسجام الطامحين للتغيير أو على قدرتهم على تنظيم أنفسهم في كتلة واحدة أو كتلتين على الأكثر.
هل من قطب ثالث؟
حين يدور الحديث عن تشكيل قطب ثالث يقفز إلى المخيلة السياسية مجموع قوى اليسار، والتي لم تحصل على أكثر من 7 مقاعد في الانتخابات السابقة، ولم تستطع حتى باجتماعها مع كتلة فتح، أن تشكل أغلبية نيابية أو أن تشكل بيضة قبان، كما أنّ السنوات الخمسة عشر السابقة لم تكن سنوات ازدهار للقوى اليسارية، رغم أنّ الفرص سنحت لأن تنشط وتفعل سواء في حراك المعلمين النقابي أو في أزمة الضمان الاجتماعي أو في كثير من الظواهر، التي هي أصلاً تشكل ملعب اليسار الحقيقي، واكتفى اليسار هنا بالتعليق على الأحداث، أو في عقد صفقات تزيد من الكوتا وغير ذلك من الممارسات التي تعتبر مألوفة في سلوك اليسار خلال أكثر من ربع قرن، فهو لم يطرح نفسه قوة متمايزة ومختلفة عن السائد، ولم يجسر على قطع الصلة مع ممارساته السابقة، وبالتالي لم يستطع أن يؤثر في الحركة الجماهيرية لا تثقيفًا ولا تنظيمًا ولا قيادةً مناشطات تظهر تحيزه لحالة التململ في أوساط الشباب.
لقد جرت أكثر من مرة محاولات بناء تجمع وطني ديمقراطي، لكنها باءت بالفشل أو ولدت كسيحة نظرًا لنخبويتها وانغلاقها، وعدم قدرتها على كسر شرنقة التحوصل في المركز والوصول إلى الأطراف، من خلال عملية ديمقراطية تبني هذا التجمع من القاعدة إلى القمة وتفرز قيادة جماهيرية حقيقية.
في مقلب مجاور، لم تستطع قوى المجتمع المدني ومؤسساته أن تغادر نخبويتها وارتهانها ببرامج معدة سلفاً، وأن تبني تأثيرًا حقيقيًا في الشارع، فجل اهتمامها كان على التأثير في سياسات لا تهم قطاعات واسعة ودون إشراك الجمهور فيها، هذا عدا عن أنّ القوة الأساس في المجتمع المدني ومنذ زمن طويل، باتت محتواة من قبل السلطة كاتحاد النقابات العمالية والنقابات المهنية الأخرى، ولم يتبق سوى حراكات شبابية واجتماعية اقتصادية لا رابط بينها، ولا تنسيق يذكر إلى تشكّل حركة اجتماعية واسعة لها مطالبها المحددة وبالتالي فقدت التأثير العام، وظلت حبيسة تنافسها وتشابه برامجها تمامًا كما المنظمات الأهلية.
هل يدعو ذلك لليأس من التغيير؟
الجواب: لا فحركة المجتمع والسياسة لا يمكن أن تستمر دائرة في حلقة مغلقة ومفرغة، بل إن التراكم في فعل الحراكات الجماهيرية والتعلم من التجربة ستؤدي في النهاية إلى تصحيح الأوضاع القائمة، وهذا رهن بإخلاص الحراكيين لقضاياهم بعيدًا عن النزعات الذاتية، وبعيدًا عن تحميل القائم أكثر مما يحتمل، وعدم استعجال الثمر في هذا الجهد المبذول مع ضرورة تشبيك الحراكات على المستوى الوطني العام.
سيناريوهات انتخابية
يمكن من خلال ما تقدم تصور سيناريوهات للانتخابات القادمة إن حصلت وهي كالتالي:
- المقاطعة: حتى الآن لم يعلن أي فصيل سياسي عن مقاطعته الانتخابات سوى الجهاد الإسلامي، الذي يعزو ذلك إلى منطلقاته الأيدولوجية، ودرجة تأثير هذه الحركة محدودة، وبالتالي فإن أي مقاطعة شعبية واسعة في ضوء ارتفاع نسبة المسجلين هي مستبعدة حتى الآن، كما لا يتوقع أن تترافق عملية مقاطعة الانتخابات بحملات إعلامية تبين أسباب المقاطعة ومحاذير المشاركة، وستلعب وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في الدعوة للمقاطعة، ولكن هل يمكن الاستنتاج أنّ المقاطعين سيشكّلون من خلال هذه الوسائط منبرًا موحدًا لهم؟ السؤال برسم المقاطعين.
- المشاركة الفصائلية: بالتأكيد ستشارك كل من فتح وحماس بقائمة فصائلية صرفة إذا لم تكن هناك قائمتين لفتح أو أكثر، فيما ستسعى فصائل أخرى لتشكيل تحالفات بينها، ربما يكون هناك أكثر من تحالف، أو يكون هناك تحالف موحد، لكن في الغالب أن تختار بعض الفصائل التي تحرص على رضى المركز السياسي أن تشكل تحالفها الخاص، ويصعب في ضوء التغيّرات أن تشارك منفردة (جتف، ج،ن،ش، جتع)، بينما لا زال الأمر ملتبسًا بالنسبة لقوى أخرى أكثر انسجامًا فيما بينها على الصعيد السياسي (الجبهتين الشعبية والديمقراطية وفدا والمبادرة وحزب الشعب)، في إمكان بناء تحالف ديمقراطي مشترك على غرار التجمع الوطني الديمقراطي، سواء لاختلاف البرامج أو الاختلاف على الترتيب في القوائم، أو لخيارات سياسية أخرى للفصائل المذكورة، ورغم ذلك فإنّ تحالف هذه القوى معًا سوف لا يكون قادرًا على تشكيل قوة راجحة أو مرجحة لطرف على آخر، وهي بحاجة إلى مزيد من التحشيد الجماعي لأجل ذلك.
- المشاركة الجماهيرية: لا يتوقع من فتح وحماس أن تشرك آخرين من خارجها في قوائمها، نظراً للتنافس العالي بين الأفراد أو للعقلية الإقصائية المتفشية في إطار الفصيلين، والشعور بالكفاية من اتساع القاعدة الجماهيرية لهما، فيما يمكن لليسار أن يقوم بهذا من خلال الحوار مع الحراكات المختلفة والمنتشرة في أوساط المجتمع، ومحاولة بناء كتلة ديمقراطية شعبية بالتشارك مع هذه الحراكات، وهو ما سيؤدي إلى رفع نسبة الصوتين وإلى زيادة حجم التمثيل وبالتالي التأثير في السياسات.
- تعدد القوائم الشعبية: هذا السيناريو محتمل جدًا، وهو ألا تستطيع الحراكات الشعبية أن تتحالف مع فصائل اليسار من جهة أو ألا تستطيع الاتفاق على بناء قائمة موحدة لها، وأن تبادر مجموعات مختلفة إلى تشكيل قوائمها الخاصة التي ربما لا تجتاز نسبة الحسم، وبالتالي تشتت الأصوات وتضيع فرصًا أخرى بديلة.
توصيات:
في ضوء ما سبق، يمكن الخلوص إلى توصيات أهمها:
- أنّه ما دام هناك شبه إجماع فصائلي على الدخول إلى معترك الانتخابات، فإنه من الأفضل أن تركز على فصل السياسي الذي هو من مهمات المنظمة عن الحياتي اليومي، الذي هو من مهمات سلطة محدودة في الضفة والقطاع، وأن يصار إلى التركيز على الدور التشريعي للمجلس في القضايا الاقتصادية الاجتماعية.
- ضرورة أن يبين المرشحون موقفهم مسبقًا من انتخابات الرئاسة وانتخابات المجلس الوطني، ومدّ التحالفات إلى المرحلتين التاليتين للانتخابات، مع ضرورة التوضيح أنّ الاتنتخابات الرئاسية هي انتخابات لرئيس سلطة وفق القانون الأساسي، وليس رئيس دولة كما جاء في المرسوم.
- إنّ إشراك الجمهور غير المنظم في فصائل في عملية الترشح من خلال التحالف مع الفاعلين فيه، ومع شخصيات وازنة في المجتمع يعبر عن سلوك ديمقراطي بعيد عن الأنانية الفصائلية، وهذا الأمر منوط أكثر بقوى اليسار التي لها نوع من التأثير والقرب السياسي والاجتماعي من هذه الكتلة الجماهيرية، وبالتالي فإن بناء قائمة جماهيرية يكون أفضل بكثير من تشكيل قوائم فصائلية، كما أنه يمكن أن يحد من تغوّل ثنائية القطبية في الساحة الفلسطينية.
- إنّ هناك ضرورة لبناء برامج اقتصادية اجتماعية واضحة لدى القوى المعنية بالتغيير، تخاطب من وقع عليهم الظلم الاجتماعي وتعبر عن قضاياهم.
إنّ انتخابات المجلس التشريعي ليست نهاية المطاف ولا هي عمل استراتيجي، بقدر ما هي عملية مؤقتة خاضعة لمزاج جماهيري في لحظة وقد يتغير في لحظات أخرى، ولذلك فإن خوض المعركة هنا يجب أن لا يحمل ما لم يحتمل، إلا إذا كانت المرحلتين التاليتين من الانتخابات هما مجرد شيك مؤجل وبدون رصيد، وبالتالي فإن معركة إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وتحديد مرجعياته يجب أن تستمر دون أي تذرع بالظروف المعقدة، التي بات لها ألف حل في ظل التطور التكنولوجي.